سامسونج تعيد رسم خريطة المنافسة: إطلاق “جالاكسي زد تراي فولد” وتوجهات حذرة في سوق الذاكرة العالمية

في خطوة جريئة تهدف إلى استعادة زمام المبادرة في سوق الهواتف الذكية وتزامناً مع تحولات جوهرية في استراتيجياتها لقطاع أشباه الموصلات، أعلنت شركة سامسونج للإلكترونيات يوم الإثنين عن إطلاق أول هواتفها القابلة للطي ثلاث مرات، والذي يحمل اسم “جالاكسي زد تراي فولد”. يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه الشركة منافسة شرسة من العلامات التجارية الصينية، بينما تواجه تحديات وفرصاً هائلة في قطاع شرائح الذاكرة مدفوعة بثورة الذكاء الاصطناعي.

قفزة نوعية بتصميم ثلاثي الطيات

سيصل الهاتف الجديد، الذي طال انتظاره، إلى الأسواق الكورية الجنوبية في الثاني عشر من ديسمبر الجاري، مع خطط لتوسيع نطاق الطرح ليشمل أسواقاً محددة تشمل الصين وتايوان وسنغافورة، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لما أكدته الشركة في بيانها الصحفي. ومن المقرر أن يصل الجهاز إلى الولايات المتحدة خلال الربع الأول من عام 2026.

يتميز “جالاكسي زد تراي فولد” بكونه جهازاً يجمع بين الأداء العالي والتصميم المبتكر؛ حيث يتوفر بلون أسود وبذاكرة عشوائية سعتها 16 جيجابايت ومساحة تخزين 512 جيجابايت، بسعر يبلغ 3,594,000 وون كوري (حوالي 2,449 دولاراً أمريكياً). يعتمد الجهاز على مفصلين للطي نحو الداخل ليتحول عند فتحه بالكامل إلى شاشة بقياس 10 بوصات بدقة 2160 × 1584، وهو حجم يقارب شاشة الجيل الحادي عشر من آيباد، مما يجعله أشبه بجهاز لوحي متكامل في جيب المستخدم.

على الرغم من حجم الشاشة الكبير، حرصت سامسونج على ضبط الأبعاد، إذ تبلغ سماكة الجهاز عند طيه 12.9 ملم، وهو ما يزيد قليلاً عن طراز “زد فولد 6” وسماكته 12.1 ملم، وأحدث إصدارات “زد فولد 7” البالغة 8.9 ملم.

اختبار السوق واستعراض القوة التقنية

يبدو أن سامسونج لا تسعى من خلال هذا الطراز إلى تحقيق مبيعات ضخمة فورية بقدر ما تهدف إلى إثبات ريادتها التقنية. وفي هذا السياق، أشارت ليز لي، المديرة المساعدة في “كاونتربوينت للأبحاث”، إلى أن الكميات المطروحة ستكون محدودة للغاية، موضحة أن الهدف ليس الحجم بل تعزيز مكانة سامسونج كقائد للابتكار، خاصة مع التوقعات بدخول “أبل” سوق الأجهزة القابلة للطي في عام 2026. وتُعد هذه الخطوة بمثابة اختبار عملي لمتانة التصميم وأداء المفصلات والبرمجيات قبل التوسع التجاري الأكبر.

يسمح التصميم الجديد بتشغيل ثلاثة تطبيقات جنباً إلى جنب بشكل عمودي، مما يوفر تجربة تشبه سطح المكتب دون الحاجة لشاشات إضافية. كما زودت الشركة الهاتف بأكبر بطارية في فئة الهواتف القابلة للطي لديها، تدعم الشحن فائق السرعة ليصل إلى 50% خلال 30 دقيقة فقط. وكما هو الحال في الإصدارات الأخيرة، يتمتع الجهاز بتصنيف IP48 لمقاومة الماء حتى عمق 1.5 متر لمدة نصف ساعة، مع حماية محدودة ضد الغبار.

تأتي هذه التحركات رداً على التوسع السريع للشركات الصينية مثل “هواوي” التي أطلقت هاتفها ثلاثي الطيات في سبتمبر الماضي، و”هونر” التي انفصلت عن هواوي لتفادي العقوبات الأمريكية وبدأت باقتحام الأسواق العالمية بقوة.

استراتيجية مغايرة في قطاع أشباه الموصلات

بينما تندفع سامسونج نحو الابتكار في الهواتف، تتبنى الشركة نهجاً أكثر تحفظاً وحذراً في قطاع شرائح الذاكرة (DRAM)، وهو القطاع الذي تتقاسمه مع منافستها الكورية “إس كيه هاينكس” بحصة سوقية مجمعة تبلغ 70%. فوسط ارتفاع حاد في أسعار الذاكرة ومحدودية العرض، أشارت تقارير إلى أن العملاقين الكوريين يفضلان التركيز على الربحية طويلة الأمد بدلاً من التوسع السريع في الطاقة الإنتاجية.

خلال اجتماعات المستثمرين الأخيرة، أوضحت سامسونج استراتيجيتها التي تهدف إلى تقليل مخاطر فائض العرض، مركزة نفقاتها الرأسمالية على التوازن بين طلب العملاء والأسعار. وقد أدى هذا التحفظ إلى توقعات باستمرار ما يُعرف بـ “الدورة الفائقة” للذاكرة إلى ما بعد عام 2028.

تأثير الذكاء الاصطناعي وأزمة الإمدادات

يشهد هيكل العرض والطلب في سوق الذاكرة تحولاً جذرياً؛ حيث يتلاقى الطلب التقليدي من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر مع نهم مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي للرقائق المتطورة. وأفادت تقارير بأن سامسونج لا تستطيع حالياً تلبية سوى 70% من طلبات الذاكرة الواردة، وتتردد في الالتزام بعقود طويلة الأجل ذات كميات كبيرة مع عملاء محددين، مفضلة العقود قصيرة الأجل للاستفادة من صعود الأسعار.

على الجانب الآخر، تخطط “إس كيه هاينكس” لتحويل نصف طاقتها الإنتاجية لشرائح الذاكرة التقليدية إلى الجيل السادس المتقدم (1c) من فئة 10 نانومتر، لكنها أقرت بأن هذا التحول لن يكون كافياً لسد الفجوة في الطلب. وفي ظل بيئة يقودها الموردون، تمكنت الشركتان من تأمين أسعار عقود أعلى بشكل ملحوظ، حيث تُغلق سامسونج صفقات الربع الرابع بأسعار تزيد بنحو 40% عن الربع السابق، وهو مسار مشابه لما تتبعه “هاينكس” التي أوقفت بعض الشحنات لإعادة التفاوض ورفع الأسعار بالنسبة ذاتها، مما ينذر بمرحلة طويلة من ارتفاع تكاليف التقنية عالمياً.

Related Posts